
في سنواتها الأولى، أصبحت المستشفى “مدرستها الثانية”، حيث كانت تغطي ساعات التمارين بين أروقة العيادات بدلاً من ساحات المدارس، وخلال هذه الرحلة الطبية الشاقة، خاضت أكثر من 20 معركة جراحية، كل عملية منها كانت أشبه بفصل من رواية صمود، لكن الغريب أن كل شق جراحي كان يزرع فيها بذرة إصرار جديدة، وكل حقنة مخدر كانت تزيدها إيماناً بأن الألم مجرد محطة وليس نهاية المطاف.
لم تكن طفولة سارة كباقي الأطفال الذين كانت تراهم يلعبون بحرية من نافذة غرفتها، بينما كانت هي مقيدة بظروفها الصحية. وقد عبرت سارة عن ذلك في إحدى مقابلاتها قائلة: “كنت أرى الأطفال يلعبون بالخارج من نافذة غرفتي في العيادة.. لكني تعلمت أن أحلم بلعب مختلف”، الأمر الذي يكشف عن قوة إرادتها وإصرارها على تجاوز صعاب طفولتها والتمسك بالأمل في تحقيق أحلامها بطريقتها الخاصة.
وفي سن الثانية عشرة، شاء القدر أن يكتشف موهبة سارة مدرب سباحة خلال زيارته لمدرستها الخاصة بذوي الإعاقة. لفت انتباهه براعتها غير العادية في التعامل مع الماء رغم ضعف حركة ساقيها. بدأت سارة أولى تدريباتها معتمدة على ذراعيها فقط، وواجهت صعوبات وتكرر غرقها في البداية، ولكن إصرار والدتها على إيجاد علاج لها ومواصلة زيارة الأطباء، بالإضافة إلى دعمها وتشجيعها المستمر، كان له الأثر الأكبر في دفع سارة نحو الاستمرار والمحاولة حتى أتقنت فن السباحة.
كان لدى سارة إرادة فولاذية دفعتها للالتزام المستمر بالتدريب والتمارين الرياضية، التي مثلت لها بمثابة الخلاص من قيود الكرسي المتحرك، لقد وجدت سارة في الرياضة هدفها المنشود، حيث ساهمت ممارستها في تحسين حالتها النفسية وتطوير قدراتها البدنية بشكل ملحوظ، على الرغم من تحديات الشلل الدماغي التي واجهتها، واستمرت سارة في التدريب المكثف لمدة ست ساعات يوميًا على مدى عشر سنوات متواصلة، مما يعكس عزيمتها وإصرارها على تحقيق التميز.
وعلى الرغم من كل الصعاب والتحديات التي واجهتها، أبت سارة أن تُصنف كـ “معاقة”، مفضلة وصف نفسها بـ “مختلفة القوى”. وفي عام 2010، استطاعت الانضمام إلى الاتحاد القطري لذوي الاحتياجات الخاصة، لتنطلق في رحلة تحدي الإعاقة، بدأت سارة بمشاركات محلية، ثم انتقلت إلى المنافسات الخليجية والقارية، قبل أن تترك بصمتها المميزة في البطولات العالمية والألعاب البارالمبية.
وفي سبيل تحقيق حلم ابنتها، لم تتردد والدة سارة في بيع ذهبها لتسجيلها في أول بطولة دولية، لتتخطى بذلك كل العقبات المادية، وفي عام 2015، توجت جهود سارة بحصد أول ميدالية ذهبية لها في بطولة العرب للسباحة البارالمبية، لتتوالى بعدها مشاركاتها المتميزة في مختلف البطولات الدولية والألعاب البارالمبية العالمية، وصولًا إلى لقب البطلة العالمية، وعبرت والدة سارة عن فخرها وسعادتها قائلة: “كانوا يشفقون على طفلتي.. واليوم يشجعون البطل التي أصبحتها”.
وعلى الرغم من التحديات الجسدية التي واجهتها سارة، فإنها أظهرت روحًا رياضية عالية وقوة شخصية لافتة. ففي إحدى البطولات، تعرضت لموقف محرج عندما سقطت من منصة التتويج أثناء استلام ميداليتها، لكن ردة فعل سارة كانت مدهشة وملهمة؛ لم تبالِ بالسقوط بل ضحكت بصوت عالٍ وقالت للمذيع بابتسامة: “هذه ساقاي تعلمونني درسًا جديدًا في التواضع كل يوم”، هذا الموقف يعكس تواضعها الكبير وقدرتها على تحويل المحن إلى دروس إيجابية.
وخلال استضافتها في أحد البرامج التلفزيونية، أكدت البطلة سارة مسعود أن تجاوز الإعاقة يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب جهدًا وقوة إرادة للتعامل معه، وأشارت إلى أنها تتمتع بشخصية قوية تدفعها للمواظبة الدائمة على التمارين الرياضية، مؤكدة على أهمية الانضباط والالتزام في تحقيق النجاح وتخطي الصعاب.
وحققت البطلة سارة مسعود العديد من الإنجازات البارزة خلال مسيرتها الرياضية الملهمة. ففي عام 2018، استطاعت أن تحطم الرقم الآسيوي في سباحة 50 متر حرة، مسجلة إنجازًا قاريًا جديدًا، وفي عام 2021، سطرت سارة تاريخًا جديدًا لبلادها بتتويجها كأول بطلة أولمبية بارالمبية. تقديرًا لإنجازاتها وتأثيرها الإيجابي، تم اختيار سارة مسعود في عام 2024 لتكون سفيرة للنوايا الحسنة من قبل الأمم المتحدة، لتصبح بذلك صوتًا عالميًا للإلهام والتحدي.
وأكدت البطلة سارة مسعود في العديد من اللقاءات الصحفية أن لحظات الوقوف على منصات التتويج تحمل طابعًا خاصًا لا ينسى لكل رياضي. وأشارت إلى أن أبرز ذكرى في مسيرتها الرياضية كانت تكريمها من قبل سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، بعد تفوقها اللافت في الألعاب البارالمبية عام 2016، هذا التكريم كان له وقع خاص في قلب سارة، ويعكس تقدير الدولة لإنجازاتها الرياضية الملهمة.
قصة سارة، هي قصة كفاح ونجاح لذوي الإحتياجات الخاصة، فهي بطلة سطرت اسم قطر بأحرف من ذهب في تاريخ الرياضة البارالمبية، حيث نجحت في أن تكون أول لاعبة بارالمبية تفوز بميدالية في أولمبياد قطر للمعاقين. وعبرت سارة عن قناعتها برسالة قوية وجهتها للعالم أجمع، مؤكدة أن الإعاقة الحقيقية لا تكمن في الجسد، بل في العقول التي ترفض أن ترى الطاقات والقدرات الكامنة لدى ذوي الإعاقة، وبإنجازاتها العظيمة ورفعها راية قطر عاليًا في المحافل الرياضية الكبرى، استطاعت سارة أن تكسر الصور النمطية السلبية عن ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، مقدمة نموذجًا ملهمًا للتحدي والإصرار.