وهم القوة السريع.. لماذا يلجأ الشباب إلى المنشطات؟

في الآونة الأخيرة، شهد استخدام الشباب للمنشطات تصاعدًا ملحوظًا، دون إدراكهم للمخاطر الجسيمة المصاحبة لذلك. فالجسد المثالي بات، يتمثل بالأكتاف العريضة والخصر النحيل، يدفع الكثيرين منهم إلى الانخراط في الأندية الرياضية، خاصة تلك المتخصصة في بناء الأجسام ورفع الأثقال، سعيًا لتحقيق هذا الهدف، مع التطلع إلى نتائج سريعة قد يدفع البعض إلى تناول المنشطات.

وعلى الرغم من الفوائد الجمة التي تقدمها رياضة بناء الأجسام للجسم، تمامًا كغيرها من الأنشطة البدنية، من خلال تمرين العضلات وتقويتها وزيادة حجمها، فضلًا عن تعزيز صحة العظام والمساهمة في الحفاظ على وزن مثالي، يلجأ البعض مع الأسف إلى استخدام المنشطات سعيًا وراء نتائج أسرع. فكيف تنتشر المنشطات بهذا الحجم؟ هل يتم تداولها بشكل أساسي عبر بعض الصالات الرياضية التي تتجاوز الإجراءات الرقابية، أم أن هناك قنوات أخرى مثل التسويق لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ وما هي مسؤوليات اللجنة القطرية لمكافحة المنشطات في التعامل مع هذه المشكلة المتفاقمة؟ وكيف يمكن للمدربين تعزيز الوعي بمخاطر المنشطات وتشجيع ثقافة الرياضة النظيفة؟

“رياضة نيوز” حققت في الصالات الرياضية لمعرفة أضرار المنشطات، ودور المسؤولين في توعية الشباب بخطورتها.

* الضحايا الطوعيون يتهمون الصالات الرياضية.

كشف محمد وهو شاب رياضي -فضل عدم ذكر اسمه العائلي- عن تجربته مع المنشطات، مشيرًا إلى أن بعض المدربين في الصالات الرياضية يشجعون المبتدئين على تعاطي هذه المواد المحظورة، زاعمين أنها لا سريعة التأثير ولا تُكتشف في الفحوصات. وأوضح أن الدافع نحو تحقيق الشهرة دفعه للانجراف وراء هذه النصائح. وبعد بعد أن حقق بعض النجاحات في البداية، وجد نفسه مع مرور الوقت مضطرًا لزيادة الجرعات للحفاظ على النتائج، الأمر الذي أدى إلى فقدانه السيطرة على نفسه واتزانه.

وعند سؤالنا عن العواقب الصحية التي قد تنتج من جراء المنشطات، قال محمد: في البداية، يخيل للمرء أن ثقته بنفسه قد تعززت، وهي بالطبع ثقة زائفة ووهمية، ولكن مع مرور الوقت، تبدأ المخاطر الصحية الحقيقية في الظهور والتفاقم، والتي تشمل مشاكل جلدية، واختلالات هرمونية، وتغيرات في المزاج، والإحساس بالتعب، وصعوبات في النوم، أما الآثار بعيدة المدى فتتضمن أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة خطر الإصابة بالجلطات القلبية، ومشكلات كبدية في بعض الحالات، والعقم.

* صالات الجيم ت\افع عن نفسها وتقول بأنها ملتزمة بقوانين مكافحة المنشطات في قطر.

تواصلنا مع السيد عبد الودود، المدرب في جيم باور هاوس، والذي نفى كليا أي مسؤولية تقع على عاتق الصالات الرياضية فيما يتعلق ببيع المنشطات للشباب. وأكد عبد الودود على التزامهم الكامل بقوانين دولة قطر، مشيرًا إلى الرقابة الصارمة التي تفرضها اللجنة القطرية لمكافحة المنشطات.

ويشير السيد عبد الودود إلى أن التحديات الكبرى في مكافحة المنشطات تتمثل في سرعة تطورها، وتوسع نطاق استخدامها ليشمل الرياضيين الهواة، والتراخي المحتمل من بعض الأطراف سعيًا وراء الإنجازات. ويقترح عبد الودود لمواجهة ذلك، ضرورة تكثيف جهود التوعية بمخاطر المنشطات في المراحل المبكرة داخل الأكاديميات والأندية، وتفعيل دور المدرب كنموذج يحتذى به في رفض المنشطات وتشجيع الأخلاق الرياضية.

* الخبراء يحذرون من آثار الخطيرة والمدمرة للمنشطات.

تحذر الدكتورة وسام الدد، الاستشاري النفسي بمستشفى العمادي، من الآثار المدمرة والخطيرة للمنشطات، موضحة أنها يمكن أن تتسبب في أمراض نفسية واضطرابات في المزاج، وقد تؤدي أيضًا إلى العنف والاكتئاب. كما تشير إلى أنها قد تسبب الهلوسة في بعض الأحيان نتيجة النشاط المفرط، وتؤثر على القدرة على التركيز، وهذا يعتمد بالطبع على نوع العقاقير المستخدمة. وتضيف الدكتورة وسام أن العقاقير المنشطة قد تسبب العقم لدى الرجال لأنها تؤثر على هرمون الخصوبة، كما أنها يمكن أن تدمر التوازن بين الهرمونات التي تساعد في عملية التخصيب.

* الجهات الوصية حريصة على مكافحة تعاطي المنشطات.

رئيس اللجنة القطرية لمكافحة المنشطات ناصر سعد آل سعد كان قد أكد في تصريح سابق له لقناة الكأس، أن دولة قطر تحتل مكانة رائدة في مجال مكافحة المنشطات، وذلك من خلال استخدام أحدث الوسائل والتقنيات المبتكرة، ومن بينها تقنية الفحص الإلكتروني للمنشطات. وقد أشار إلى أن هذه التقنية الجديدة خضعت للاختبار وأثبتت فعاليتها، ويجري العمل على تعميمها وتطبيقها عالميًا بسهولة ويسر. وأوضح أن لدى اللجنة خبرات متراكمة تمكنها من مواكبة كافة المستجدات والمتطلبات التي تضعها الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات ووحدة النزاهة الرياضية.

وأضاف السيد آل سعد أن اللجنة القطرية لمكافحة المنشطات، منذ انضمامها للوكالة الدولية (وادا)، بذلت جهودًا كبيرة وما زالت ملتزمة بواجباتها على أكمل وجه لتعزيز الوعي بمخاطر وأضرار المنشطات في مختلف الألعاب الرياضية ولكافة الفئات العمرية. وأكد على سعي اللجنة المستمر لترسيخ ثقافة الرياضة النزيهة وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على الأداء النظيف الذي يعكس القيم الأخلاقية السامية للرياضة.

* البرامج التوعية كحل ضروري للحد من ظاهرة التعاطي غير المسؤول للمنشطات.

يؤكد السيد عمر ميلادي، مدرب في نادي السد، على أن مواجهة مشكلة المنشطات تتطلب جهودًا متواصلة، فبالرغم من تطور التكنولوجيا، تظهر منشطات جديدة تتحدى طرق الكشف الحالية، مما يستدعي تحديث التقنيات باستمرار وتعزيز التعاون الدولي وتبادل البيانات بين المختبرات.

ويرى السيد عمر أن التحديات متعددة، بدءًا من تطور طرق التلاعب بالاختبارات، مرورًا بضعف الرقابة في بعض الأحيان، وصولًا إلى الضغوط التجارية والإعلامية التي تؤثر على قرارات الرياضيين، وانتهاءً بقلة الوعي الكافي بمخاطر المنشطات، خاصة بين الفئات الشابة.

ويؤكد السيد عمر أن تحقيق رياضة نظيفة يستلزم تطبيق ممارسات واستراتيجيات محددة، فعلى مستوى الأندية والمدربين، يتضمن ذلك إنشاء برامج توعية مستمرة بمخاطر المنشطات، وتزويد الكوادر الفنية بمهارات التعرف على علامات استخدامها، وتوفير نظام دعم نفسي ورياضي يعزز الأداء الطبيعي. أما بالنسبة للرياضيين، فيتطلب الأمر الالتزام ببرامج تغذية وتدريب علمية ومدروسة، والرجوع إلى خبراء الطب الرياضي قبل تناول أي مكمل.

وبناء على ما توصلنا إليه بعد أن تقصينا في موضوع دواعي ومسؤوليات تعاطي المنشطات عند الشباب في قطر، وعلى ما سمعناه من مختلف الأطراف، يتضح لنا أن مكافحة المنشطات تتطلب وعيا فرديً بالمخاطر، وجهودا مؤسسية من الدولة متمثلة في اللجنة القطرية لمكافحة المنشطات ومن القطاعين الطبي والتعليمي لتوعية الشباب بعواقبها الوخيمة، كما أن للأهل دور أساسي في متابعة أبنائهم الرياضيين والتواصل معهم بشأن هذه المسألة الخطيرة التي تمس صحتهم. وقد تعد الدورات والورش المكثفة أداة فعالة لتثقيف الرياضيين حول خطورة المنشطات، كما ينبغي نشر ثقافة الوعي وتعزيزها، من خلال مشاركة قصص حقيقية لضحايا المنشطات، وإطلاق حملات تواصل اجتماعي مؤثرة تستهدف الشباب، مع منح الرياضيين الملتزمين بالرياضة النظيفة التقدير والعرفان اللازمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *