
تتكرر للأسف حوادث العنف في الملاعب الرياضية أو محيطها، سواء أثناء المباريات أو بعدها، وغالبًا ما يكون مرتكبوها من المتعصبين للفرق المتنافسة، ويتخذ هذا العنف أشكالًا متنوعة، منها الاعتداءات الجسدية كالضرب وتخريب الممتلكات العامة والخاصة في الملاعب، وأيضًا العنف اللفظي الذي يتمثل في الإهانات والشتائم والهتافات المسيئة، بالإضافة إلى العنف الرمزي الذي يظهر في الحركات والشعارات العنصرية.
وفي بعض الحالات، يتعدى العنف في الملاعب حدود المنافسة الرياضية ليأخذ أبعادًا سياسية واجتماعية أعمق، وهناك جملة من الأسباب والعوامل التي تدفع نحو تفاقم هذه الظاهرة المقلقة في المدرجات، وسنسعى في هذا المقال إلى استكشاف وتحليل الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك العنيف الذي يستفز الجماهير ويثير غضبها، مما يدفعهم إلى ارتكاب أعمال عنف بأنماطها المختلفة، فما هي الأسباب التي تشكل السلوك العدواني بين الجمهور في الملعب؟و ما هي آليات الحد منها؟ وما هـو تعريف مصطلح شغب الملاعب؟
إن شغب الملاعب يمثل سلوكًا عدوانيًا يتطور بسرعة ليتحول إلى عنف موجه ضد الآخرين، غالبًا ما يبدأ هذا السلوك من فرد أو مجموعة صغيرة، ولكنه سرعان ما ينتشر بين الجماهير بشكل واسع، وقد حذرت منظمة اليونسكو في نهاية ثمانينيات القرن الماضي من ازدياد هذه الظاهرة وخطورتها، معرفةً إياها بأنها شكل من أشكال الانفعال الذي يهدف إلى إلحاق الضرر والأذى بالآخرين، وتؤكد جميع الدراسات المتخصصة في هذا المجال على أن أعمال الشغب والعنف في الملاعب غالبًا ما تكون مُخططًا لها مسبقًا، وهو ما يزيد من خطورتها وتأثيراتها الاجتماعية السلبية.
لقد بات العنف في الملاعب الرياضية، سواء أثناء المباريات أو بعدها، ظاهرة متكررة ومؤسفة. يتجلى هذا العنف بأشكال متنوعة، بدءًا من الاعتداءات الجسدية التي تشمل الضرب وتخريب السيارات وممتلكات الملاعب، مرورًا بالعنف اللفظي الذي يتمثل في السخرية والشتائم والهتافات العنصرية المسيئة، وصولًا إلى العنف الرمزي الذي يتجسد في الحركات والشعارات العنصرية، ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة تشهد نموًا مستمرًا وتطورًا في أشكالها وممارساتها المجتمعية.
وحسب الدراسات، فإن جذور ظاهرة الشغب والعنف في مختلف الرياضات البريطانية تعود إلى فترة بعيدة تصل إلى القرن الثالث عشر. في تلك الحقبة، كانت الصراعات الطبقية والنزاعات الملكية والعرقية والسياسية، بالإضافة إلى الانتماءات الدينية، من الدوافع الرئيسية لهذه الأعمال. ومع مرور الوقت، استمر تناول الكحول والمخدرات في لعب دور في تأجيج مشاعر المشجعين نحو الشغب والعنف. لقد دفعت بريطانيا والعديد من دول العالم أثمانًا باهظة نتيجة للعنف في الملاعب، بدءًا من حرمان الأندية والجماهير من المشاركة في البطولات الدولية، ووصولًا إلى إنفاق مبالغ وجهود كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة، هذا بالإضافة إلى السمعة السيئة التي تلحق بالأندية والمدن والدول المتورطة في هذه الأحداث، وتأثيرها السلبي على السياحة والاقتصاد بشكل عام.
كما أكدت العديد من الدراسات التاريخية أن ظاهرة شغب الملاعب بدأت في بريطانيا خلال القرن الثالث عشر، ثم انتشرت لاحقًا إلى دول أخرى فيما عُرف بـ “المرض البريطاني”، وسرعان ما أدت العوامل السياسية والنزاعات العرقية والانتماءات الدينية دورًا مؤثرًا في تأجيج المشاعر السلبية لدى اللاعبين والمشجعين على حد سواء، مما ساهم في تفاقم هذه الظاهرة.
وكشفت دراسة مشتركة أعدها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية ومركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، والتي قُدمت يوم الخميس الموافق 19 ديسمبر 2024 في الرباط، عن أرقام مقلقة صادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني للفترة الممتدة من عام 2019 إلى عام 2023. تشير هذه الأرقام إلى متابعة حوالي 686 قاصرًا على خلفية قضايا تتعلق بالشغب الرياضي، من بينهم 113 قاصرًا تم احتجازهم، وتوضح الدراسة أن هذا العدد من القاصرين المتابعين يمثل حوالي ثلث عدد البالغين الذين تمت متابعتهم في نفس القضايا، سواء كانوا في حالة سراح أو احتجاز.
وبحسب جريدة “الرياض” أنه في عام 2009، صدر أول حكم قضائي في المملكة العربية السعودية ضد مشجع قام باقتحام ملعب خلال إحدى مباريات كرة القدم. وأصدر رئيس المحكمة الجزائية في بريدة بالنيابة حكمًا يقضي بسجن المشجع لمدة ثلاثة أيام، وجاء هذا الحكم بعد ثبوت قيام المشجع باقتحام أسوار ملعب مدينة الملك عبد الله الرياضية في بريدة بهدف مصافحة أحد لاعبي فريقه، وقد تم إيقاف المشجع وتحويله إلى هيئة التحقيق والادعاء العام في ذلك الوقت، والتي بدورها أحالت القضية بعد استكمال الإجراءات القانونية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المذكور.
ولمعالجة ظاهرة الشغب السلبية في الملاعب والحد منها، لا بد من اتخاذ خطوات جادة تبدأ بتعزيز الوعي والتثقيف. يتعين على الأندية والاتحادات الرياضية الاضطلاع بدور فعال في نشر ثقافة الروح الرياضية والسلوك الحضاري في المدرجات. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم حملات إعلامية وورش عمل تهدف إلى تثقيف الجماهير حول كيفية التصرف بشكل سليم ومسؤول أثناء المباريات، بالإضافة إلى ذلك، يكتسب تحسين التنظيم والإجراءات الأمنية أهمية قصوى. يجب على الأندية والسلطات المعنية العمل على تطوير أنظمة تنظيم وأمن الملاعب، بما في ذلك توفير قوات أمن مدربة على أعلى مستوى وتطبيق إجراءات تفتيش فعالة للتعامل مع المشجعين المشاغبين ومنعهم من دخول الملاعب مستقبلًا، إن وجود رادع قوي وملموس من شأنه أن يقلل بشكل كبير من تكرار حوادث الشغب في المستقبل.
لا شك أن ظاهرة الشغب في ملاعب كرة القدم تمثل تحديًا كبيرًا يستوجب مواجهة جادة وحازمة، من خلال تضافر الجهود لتحسين الوعي والتثقيف لدى الجماهير، وتعزيز إجراءات التنظيم والأمن في الملاعب، وتفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى تطبيق عقوبات مشددة على المتورطين في أعمال العنف، يمكننا الحد من حوادث الشغب والعنف والحفاظ على السمعة الطيبة لكرة القدم كرياضة شعبية آمنة وممتعة للجماهير واللاعبين على حد سواء.